فصل: (فَصْلٌ): (أَوْقَاتِ النَّهْي عَنْ الصَّلَاةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [فضل الصلاة]:

(أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ أَفْلَحَ) وَنَجَا، (وَإِلَّا) تَصْلُحْ خَابَ وَخَسِرَ، (وَإِذَا نَقَصَ فَرْضُهُ) بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، كَعَدَمِ خُشُوعٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ عَبَثٍ (كَمَّلَ) نَقْصَهُ (مِنْ نَفْلِهِ)، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ النَّوَافِلُ، وَنُدِبَ الْإِكْثَارُ مِنْهَا، (وَكَذَا بَاقِي أَعْمَالِهِ) مِنْ زَكَاةٍ وَحَجٍّ إذَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ كَمَّلَ مِنْ نَفْلِهِ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

.(فَصْلٌ): [صفة صلاة الليل]:

(وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى) أَيْ: يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى» رَوَاه الْخَمْسَةُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدَ. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً بِاتِّفَاقِنَا، وَلِأَنَّهُ سِيقَ لِبَيَانِ حُكْمِ الْوِتْرِ، فَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِاللَّيْلِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ نَفْلٍ فَكَانَتْ سُنَّتَهَا بِرَكْعَتَيْنِ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَلِأَنَّ تَجَاوُزَ الرَّكْعَتَيْنِ يَتَعَرَّضُ بِهِ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَالِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا أَبْعَدُ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى، وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِمُطْلَقِ الْأَرْبَعِ سَرْدًا: سُنَّةُ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةُ، وَسُنَّةُ الْعَصْرِ، لَا تَنْفِي فَضْلَ الْفَصْلِ بِالسَّلَامِ. (وَإِنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ نَهَارًا؛ فَلَا بَأْسَ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) كَوْنُ الْأَرْبَعِ (بِتَشَهُّدَيْنِ) كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (أَوْلَى مِنْ سَرْدِهَا)؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا. (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ أَرْبَعٍ تَطَوَّعَ بِهَا نَهَارًا (مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةٌ) كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ. (وَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ (نَهَارًا)؛ صَحَّ، وَكُرِهَ (أَوْ) زَادَ عَلَى (ثِنْتَيْنِ لَيْلًا وَلَوْ جَاوَزَ ثَمَانِيَا) نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (بِسَلَامٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدْ صَلَّى الْوِتْرَ خَمْسًا وَسَبْعًا وَتِسْعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ» وَهُوَ، تَطَوُّعٌ، فَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا «صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ» وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا «أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ» لِإِمْكَانِ التَّعَدُّدِ (وَكُرِهَ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالضُّحَى لِوُرُودِهِ. (وَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ بِرَكْعَةٍ وَنَحْوِهَا) كَثَلَاثِ وَخَمْسٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ اسْتَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ» رَوَاه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَةً، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَةً، قَالَ: هُوَ تَطَوُّعٌ، فَمَنْ شَاءَ زَادَ، وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ وَصَحَّ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ تَقْصِيرُ الْوِتْرِ رَكْعَةً، (وَكُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ لِحَدِيثِ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْوِتْرِ.
(وَ) يَصِحُّ تَطَوُّعٌ (جَالِسًا) وَلَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَ(لَا) يَصِحُّ تَنَفُّلُهُ (مُضْطَجِعًا) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْإِفَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَدَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى افْتِرَاضِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَنْهُمَا، (غَيْرَ مَعْذُورٍ)، فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُضْطَجِعًا. (وَأَجْرُ) صَلَاةِ (قَاعِدٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ نِصْفُ) أَجْرِ (صَلَاةِ قَائِمٍ)، لِحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ أَجْرُ نِصْفِ الْقَائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَعْذُورُ؛ فَأَجْرُهُ قَاعِدًا كَأَجْرِهِ قَائِمًا لِلْعُذْرِ. (وَسُنَّ تَرَبُّعُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي جَالِسًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِمَحَلِّ قِيَامٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» رَوَاه النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
(وَ) إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ (إنْ شَاءَ) رَكَعَ مِنْ قُعُودٍ، وَإِنْ شَاءَ (قَامَ فَرَكَعَ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ.
(وَ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا (ثَنْيُ رِجْلَيْهِ بِرُكُوعٍ) أَيْ: فِي حَالِ رُكُوعٍ (وَسُجُودٍ)، رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، (وَكَثْرَتُهُمَا)، أَيْ: الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (أَفْضَلُ مِنْ طُولِ قِيَامٍ)، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ، وَهُوَ: الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، وَأَمَّا نَفْسُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ فَأَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْقِيَامِ، فَاعْتَدَلَا، وَكَهَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَةً، فَكَانَ إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِحَسَبِ ذَلِكَ حَتَّى يَتَقَارَبَا (إلَّا مَا وَرَدَ) عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَطْوِيلُهُ) كَصَلَاةِ كُسُوفٍ، (فَاتِّبَاعُهُ أَفْضَلُ)، لِحَدِيثِ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ السُّجُودِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، وَلِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ آكَدُ وَأَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْعَالِمِ وَسَيِّدِ الْقَوْمِ. (وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ جَمَاعَةً) كَمَا تُفْعَلُ فُرَادَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَكَانَ أَكْثَرُ تَطَوُّعَاتِهِ مُنْفَرِدًا، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَمَا سُنَّ فِعْلُهُ مُنْفَرِدًا، كَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ إنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةً فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُتَّخَذُ سُنَّةً رَاتِبَةً. (وَإِسْرَارُهُ)، أَيْ: التَّطَوُّعِ (أَفْضَلُ)، وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهِ نَهَارًا، لِحَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» وَالْمُرَادُ: غَيْرُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي بَابِهِمَا. (سِيَّمَا لِخَائِفٍ) بِجَهْرِهِ بِالتَّطَوُّعِ (رِيَاءً) فَيُسِرُّهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. (وَجَازَ جُلُوسٌ لِمُبْتَدِئٍ نَفْلًا قَائِمًا كَعَكْسِهِ)، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ جَالِسٌ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَسُومِحَ فِي التَّطَوُّعِ تَرْكُ الْقِيَامِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ. (وَسُنَّ اسْتِغْفَارٌ بِسَحَرٍ وَإِكْثَارٌ مِنْهُ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وَسَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي: فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ: يَقُولُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَمَتُكَ بِنْتُ عَبْدِكَ، أَوْ بِنْتُ أَمَتِكَ: وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا عَبْدُكَ لَهُ مَخْرَجٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِتَأْوِيلِ شَخْصٍ.

.(فَصْلٌ): [صَلَاةُ الضُّحَى]:

(تُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى)، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (غَبًّا) بِأَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «كَان النَّبِيُّ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلِأَنَّهَا دُونَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَلَا تُشَبَّهُ بِهِمَا. (وَاسْتَحَبَّ جُمُوعٌ مُحَقِّقُونَ) مِنْهُمْ: الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنِ تَمِيمٍ (فِعْلَهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لِمَنْ لَمْ يَقُمْ لَيْلًا) حَتَّى لَا يَفُوتُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَلَهُ قَاعِدَةٌ فِي ذَلِكَ. (وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا دُونَهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَرَكْعَتِي الضُّحَى» وَصَلَّاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَسِتًّا كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. (وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ) لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى» رَوَاه الْجَمَاعَةُ. (وَوَقْتُهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الضُّحَى: (مِنْ خُرُوجِ) وَقْتِ (نَهْيٍ) أَيْ: ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. (إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ) أَيْ: إلَى دُخُولِ وَقْتِ النَّهْيِ بِقِيَامِ الشَّمْسِ. (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ: وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى (إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ)، لِحَدِيثِ «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا) بِسَلَامٍ (سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَيُرْوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، «أَنَّهُ صَلَّاهَا كَذَلِكَ سَرْدًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهَا بِسَلَامٍ». (وَيَتَّجِهُ عَلَى هَذَا) أَيْ: فِعْلُ سَعْدٍ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَوَازُ صَلَاةِ الضُّحَى) بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ (وَ) جَوَازُ صَلَاةِ (التَّرَاوِيحِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يُعَضِّدُهُ (عِبَارَةُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ صَلَّى) رَسُولُ اللَّهِ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرَ خَمْسًا وَسَبْعًا وَتِسْعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ) أَيْ: الْوِتْرُ (تَطَوُّعٌ؛ فَأَلْحَقْنَا بِهِ سَائِرَ التَّطَوُّعَاتِ)، لِعَدَمِ الْفَارِقِ.
تَتِمَّةٌ:
لِصَلَاةِ الضُّحَى فَضَائِلُ لَا تُحْصَى، مِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيْ الضُّحَى، لَا يَقُولُ إلَّا خَيْرًا؛ غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ. (وَتُسَنُّ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ) إذَا هَمَّ بِأَمْرٍ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. (وَلَوْ فِي خَيْرٍ كَحَجٍّ وَجِهَادٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا (وَيُبَادِرُ بِهِ)، أَيْ: الْخَيْرِ (بَعْدَهَا)، أَيْ: الِاسْتِخَارَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ؛ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ؛ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ وَهِيَ، أَيْ: صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ: رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهُمَا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ- وَيُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ؛ فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ؛ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ لَهُ. (وَيَقُولُ فِيهِ: مَعَ الْعَافِيَةِ وَلَا يَكُونُ مَعَ الِاسْتِخَارَةِ عَازِمًا عَلَى الْأَمْرِ) الَّذِي يَسْتَخِيرُ فِيهِ، (أَوْ) عَلَى (عَدَمِهِ؛ فَإِنَّهُ خِيَانَةٌ فِي التَّوَكُّلِ ثُمَّ يَسْتَشِيرُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي شَيْءٍ؛ فَعَلَهُ)، فَيَنْجَحُ مَطْلُوبُهُ. (وَتُسَنُّ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ) لِـ (آدَمِيٍّ، وَهُمَا) أَيْ: صَلَاةُ الْحَاجَةِ: (رَكْعَتَانِ) يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ (يُثْنِي عَلَى اللَّهِ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرَتْهُ، وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًى إلَّا قَضَيْتَهَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. (وَتُسَنُّ صَلَاةُ التَّوْبَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى)، لِحَدِيثِ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ إلَّا غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَاَلَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}.. إلَى آخِرِ الْآيَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. (وَكَذَا) تُسَنُّ (رَكْعَتَا سُنَّةِ وُضُوءٍ عَقِبَهُ) أَيْ: الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلَالُ: حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْتُ فِي ذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. (وَلَا تُسَنُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ): مَا يُعْجِبُنِي؛ قِيلَ لِمَ؟ قَالَ: (لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَصِحُّ)، وَنَفَضَ يَدَهُ، كَالْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَرَهَا مُسْتَحَبَّةً.
قَالَ الْمُوَفَّقُ: (وَإِنْ فَعَلَهَا) إنْسَانٌ؛ (فَلَا بَأْسَ، لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَمَلُ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ، بِمَعْنَى: أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ، أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ. وَمِثْلُهُ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ وَالْمَنَامَاتِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، لَا اسْتِحْبَابَ وَلَا غَيْرَهُ؛ لَكِنْ يَجُوزُ ذِكْرُهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ، وَقُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَاعْتِقَادُ مُوجِبِهِ مِنْ قَدْرِ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ. (وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ) لِلْخَبَرِ، وَيَأْتِي. (وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، ثُمَّ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ خَمْسَ عَشَرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ يَقُولُهَا)، أَيْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، (فِي رُكُوعِهِ عَشْرًا، ثُمَّ) يَقُولُهَا (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ) أَيْ: الرُّكُوعِ (عَشْرًا، ثُمَّ) يَقُولَهَا (كَذَلِكَ) أَيْ: عَشْرًا (فِي سُجُودِهِ ثُمَّ) يَقُولَهَا (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ عَشْرًا ثُمَّ) يَقُولَهَا (فِي سُجُودِهِ ثَانِيًا، ثُمَّ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ قَبْلَ قِيَامِهِ)، ثُمَّ يَأْتِي بِذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ. (يَفْعَلُهَا) أَيْ: صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهَا، (كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً؛ (فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً؛ (فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً؛ (فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً؛ (فَفِي الْعُمْرِ مَرَّةً)، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «يَا عَمَّاهُ: أَلَا أُعْطِيكَ؟ أَلَا أَمْنَحُكَ؟ أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إذَا أَنْتَ فَعَلَتْ ذَلِكَ؛ غُفِرَ لَكَ ذَنْبُكَ: أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَقَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ، خَطَؤُهُ وَعَمْدُهُ، صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ، سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ؟ عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ». ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. (وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّغَائِبِ) الَّتِي تُفْعَلُ فِي لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، (وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ) الشَّهِيرَةُ: بِالْأَلْفِيَّةِ؛ (فَبِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهُمَا قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ،
(وَقَالَ: لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فِيهَا فَضْلٌ، وَكَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يُصَلِّي فِيهَا، لَكِنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا لِإِحْيَائِهَا فِي الْمَسَاجِدِ بِدْعَةٌ انْتَهَى وَاسْتِحْبَابُ قِيَامِهَا كَلَيْلَةِ الْعِيدِ مَيْلُ) زَيْنِ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَجَبٍ الْبَغْدَادِيِّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ (اللَّطَائِفِ) فِيمَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْوَظَائِفِ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ، وَلَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ أَحْيَا اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبِ» رَوَاه الْمُنْذِرِيُّ فِي تَارِيخِهِ، بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ كَرْدُوسٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَأَوَّلِ لَيْلَةِ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَلَيْلَةِ نِصْفِ رَجَبٍ، وَفِي الْغُنْيَةِ وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِضَعْفِ الْأَخْبَارِ، وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّهِ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَأَوْلَى. وَفِي آدَابِ الْقَاضِي صَلَاةُ الْقَادِمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةَ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

.(فَصْلٌ): [سُجُودُ التِّلَاوَةِ]:

(يُسَنُّ بِتَأَكُّدِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ عَقِبَهَا) أَيْ: عَقِبَ تِلَاوَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ وَلِمُسْلِمٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ» وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» رَوَاه الْجَمَاعَةُ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ «فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ»، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ؛ نَزَلَ فَسَجَدَ، فَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ؛ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمُرُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَالَ فِيهِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ؛ فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْأَوَامِرُ بِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ. وَقَوْلُهُ {إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا} الْمُرَادُ بِهِ: الْتِزَامُ السُّجُودِ وَاعْتِقَادُهُ، فَإِنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ إجْمَاعًا، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ بِالتَّسْبِيحِ. (لِقَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ) لَهُ (وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ السَّمَاعَ) فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى فِي طَوَافٍ.
وَ(لَا) يُسَنُّ السُّجُودُ لِـ (سَامِعٍ) مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الِاسْتِمَاعِ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ: مَا جَلَسْنَا لَهَا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا؛ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ. (وَشُرِطَ) لِاسْتِحْبَابِ السُّجُودِ (كَوْنُ قَارِئٍ يَصْلُحُ إمَامًا لِلْمُسْتَمِعِ) أَيْ: يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَلَوْ فِي نَفْلٍ، (فَلَا يَسْجُدُ) مُسْتَمِعٌ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ) تَالٍ، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ قَرَأَ سَجْدَةً، ثُمَّ نَظَرَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّكَ كُنْتَ إمَامَنَا، وَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا مَعَكَ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا، وَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى، وَفِيهِ كَلَامٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمٍ وَهُوَ غُلَامٌ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً، فَقَالَ: اُسْجُدْ فَإِنَّكَ إمَامُنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. (وَلَا) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ (قُدَّامَهُ) أَيْ: الْقَارِئِ، (أَوْ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ)، أَيْ: التَّالِي عَنْ سَاجِدٍ مَعَهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِائْتِمَامِ بِهِ إذَنْ، فَإِنْ سَجَدَ عَنْ يَمِينِهِ مَعَهُ جَازَ، وَكَذَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ إذَا كَانَ (خَلْفَهُ)، أَيْ: الْقَارِئُ فَذًّا أَوْ خَلْفَ الصَّفِّ (فَذًّا) قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَسْجُدُ (رَجُلٌ) مُسْتَمِعٌ وَلَا خُنْثَى (لِتِلَاوَةِ امْرَأَةٍ وَ) تِلَاوَةِ (خُنْثَى)، لِعَدَمِ صِحَّةِ ائْتِمَامِهِ بِهِمَا. (وَيَسْجُدُ) مُسْتَمِعٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى، (لِتِلَاوَةِ) رَجُلٍ أُمِّيٍّ وَلِتِلَاوَةِ (زَمِنٍ)؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالْقِيَامَ لَيْسَا رُكْنًا فِي السُّجُودِ وَلِتِلَاوَةِ مُمَيِّزٍ، لِصِحَّةِ إمَامَتَهُ فِي النَّفْلِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ لِتِلَاوَةِ (فَاسِقٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنَّ قُوَّةَ التَّعْلِيلِ فِيمَا يَأْتِي آنِفًا تَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ فِي الْقَارِئِ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِ خِيَانَتِهِ فِي شَيْءٍ، فَهُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ فِي هَذَا السُّجُودِ. (وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ رَأْسِ مُسْتَمِعٍ) قَبْلَ رَفْعِ قَارِئٍ، (وَ) كَذَا لَا يَضُرُّ (سَلَامُهُ)، أَيْ: الْمُسْتَمِعُ (قَبْلَ) سَلَامِ (قَارِئٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إمَامًا لَهُ حَقِيقَةً، بَلْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَرْفَعُ قَبْلَ إمَامِهِ كَسُجُودِ الصُّلْبِ. (وَسُنَّ تَكَرُّرُ سُجُودٍ بِتَكْرَارِ تِلَاوَةٍ) لِأَنَّهَا سَبَبُهُ، فَتُكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا كَرَكْعَتِي الطَّوَافِ. وَإِنْ سَمِعَ سَجْدَتَيْنِ مَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا يَتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ غَيْرُ قِيمَةٍ، وَمِثْلُهُ مَنْ يُكَرِّرُ التِّلَاوَةَ لِلْحِفْظِ. وَيُسَنُّ السُّجُودُ لِلتِّلَاوَةِ (حَتَّى فِي طَوَافٍ وَصَلَاةٍ مَعَ قَصْرٍ فَصَلَ) بَيْنَ التِّلَاوَةِ أَوْ الِاسْتِمَاعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، (فَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ) تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ اسْتَمَعَهَا (بِشَرْطٍ) وَهُوَ تَعَذُّرُ الْمَاءِ لِعَدَمٍ أَوْ ضَرَرٍ. (وَيُومِئُ رَاكِبٌ) بِالسُّجُودِ لِلتِّلَاوَةِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ، (وَيَسْجُدُ مَاشٍ) مُسَافِرٍ بِالْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ كَمَا يَسْجُدُ لِلنَّافِلَةِ. (وَكُرِهَ جَمْعُ آيَاتِ سُجُودٍ) فِي وَقْتٍ لِيَسْجُدَ لَهَا، (وَ) كُرِهَ (حَذْفُهَا)، أَيْ: آيَاتِ السُّجُودِ بِأَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ، بَلْ نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ، وَسَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا (وَهِيَ) أَيْ: سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ) سَجْدَةً فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الرَّعْدِ عِنْدَ {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} وَفِي النَّحْلِ، وَفِي الْإِسْرَاءِ عِنْدَ {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} وَفِي مَرْيَمَ {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} وَ(فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ) الْأُولَى عِنْدَ {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} وَالثَّانِيَةُ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وَفِي الْفُرْقَانِ {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} وَفِي النَّمْلِ {رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وَفِي الم السَّجْدَةِ {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} وَفِي فُصِّلَتْ {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}، وَفِي آخَرِ النَّجْمِ، وَفِي الِانْشِقَاقِ {لَا يَسْجُدُونَ} وَآخِرِ اقْرَأْ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» رَوَاه أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُد، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ فِي إسْنَادِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ. «وَسَجَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي: الِانْشِقَاقِ، وَفِي: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَسَجْدَةُ ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، بَلْ (سَجْدَةُ شُكْرٍ)، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا». وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا»، رَوَاهُ النَّسَائِيّ. فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ لَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ. (تَبْطُلُ بِهَا صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ) كَسَائِرِ سَجَدَاتِ الشُّكْرِ. (وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ كَ) صَلَاةِ (نَافِلَةٍ فِيمَا يُعْتَبَرُ لَهَا مِنْ شَرْطٍ) كَطَهَارَةٍ وَاجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ، وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ (وَ) مِنْ (رُكْنٍ) وَكَسُجُودٍ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَطُمَأْنِينَةٍ وَرَفْعٍ مِنْهُ (وَ) مِنْ (وَاجِبٍ) كَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ، لِأَنَّهُ سُجُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَيْهِ لَهُ تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ، فَكَانَ صَلَاةً، كَسُجُودِ الصَّلَاةِ وَالسَّهْوِ، (سِوَى تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ)؛ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، (وَتَشَهُّدٍ)؛ لِأَنَّهُمَا صَلَاةٌ لَا رُكُوعَ فِيهَا، فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِمَا التَّشَهُّدُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. (وَكَذَا جُلُوسٌ) فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، أَيْ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ (لِ) أَجْلِ (تَسْلِيمٍ)، بَلْ يُنْدَبُ لَهُ الْجُلُوسُ (عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْإِقْنَاعِ) تَبَعًا لِلْإِنْصَافِ، لَكِنَّ أَصْلَ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَجْلِسُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: النَّدْبُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ يُعْقِبُهُ، فَشُرِعَ لِيَكُونَ سَلَامُهُ فِي حَالِ جُلُوسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ. (وَالْأَفْضَلُ سُجُودٌ عَنْ قِيَامٍ)، لِمَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَإِذَا انْتَهَتْ، إلَى السَّجْدَةِ، قَامَتْ، فَسَجَدَتْ وَتَشْبِيهًا لَهَا بِصَلَاةِ النَّفْلِ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) نَدْبًا إذَا أَرَادَ السُّجُودَ، (وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ) نَصًّا (وَإِنْ زَادَ فِي سُجُودِهِ عَلَى قَوْلِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، مِمَّا وَرَدَ؛ فَحَسَنٌ، وَمِنْهُ)، أَيْ: الْوَارِدِ: (اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ)، أَيْ: اُمْحُ (عَنِّي بِهَا وِزْرًا: أَوْ اجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذِكْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَمِنْهُ أَيْضًا: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. (وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ إلَّا لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ إنْ سَجَدَ) إمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَتِهِ فَلَا تَكُونُ قِرَاءَةٌ غَيْرُ قِرَاءَةِ إمَامِهِ سَبَبًا لِاسْتِحْبَابِ السُّجُودِ فِي حَقِّهِ.
وَ(لَا) يَسْجُدُ مَأْمُومٌ (لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ لِقِرَاءَةِ (غَيْرِ إمَامِهِ) سَوَاءٌ كَانَ التَّالِي فِي صَلَاةٍ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ غَيْرَ الْمَأْمُومِ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِصَلَاتِهِ، وَالْمَأْمُومَ مُشْتَغِلٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ. (وَلَا) يَسْجُدُ (إمَامٌ) أَوْ مُنْفَرِدٌ (لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ)، لِمَا تَقَدَّمَ، (فَإِنْ فَعَلَ) عَمْدًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا سُجُودًا. (وَيَتَّجِهُ: لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ وَهُوَ (نَاسٍ) أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، (وَكَذَا) لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ (جَاهِلٍ) الْحُكْمَ سَوَاءٌ، كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، كَمَا لَوْ زَادَ فِيهَا رُكْنًا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ وَفَسَادَهَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الذِّكْرِ وَالْعَمْدِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا لَوْ سَجَدَ لِلشُّكْرِ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ بِجَامِعِ عَدَمِ إبَاحَتِهِ لَهُمَا، وَنَصُّهُمْ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاةِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ سَجَدَ لِشُكْرٍ فِيهَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَلْزَمُ مَأْمُومًا مُتَابَعَةُ إمَامِهِ) فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ (فِي صَلَاةِ جَهْرٍ)، لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» (وَيَتَّجِهُ) مَحَلَّ لُزُومِ الْمَأْمُومِ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ: (إنْ سَمِعَ) قِرَاءَتَهُ، لَوْلَا الْمَانِعُ مِنْ السَّمَاعِ؛ كَبُعْدٍ وَطَرَشٍ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ، وَكَذَا لَوْ أَحَسَّ بِهَوِيِّهِ إلَى السُّجُودِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) يَلْزَمُ مَأْمُومًا مُتَابَعَةُ إمَامِهِ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي صَلَاةِ سِرٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا بِتَالٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ، بِخِلَافِ الْجَهْرِيَّةِ، (فَلَوْ تَرَكَهَا)، أَيْ: تَرَكَ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَلِغَيْرِ مُصَلٍّ أَنْ يَسْجُدَ لِسُجُودِ تَالٍ مُصَلٍّ، إذَا اسْتَمَعَ لَهُ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَكُرِهَ قِرَاءَةُ إمَامٍ) آيَةَ (سَجْدَةٍ بِصَلَاةِ سِرٍّ) كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ، لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ لَهَا خَلَطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَإِلَّا تَرَكَ السُّنَّةَ.
(وَ) كُرِهَ (سُجُودُهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (لَهَا)، أَيْ: التِّلَاوَةِ لِصَلَاةِ سِرٍّ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى مَنْ مَعَهُ. (وَيُخَيَّرُ مَأْمُومٌ) سَجَدَ إمَامُهُ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ وَتَرْكِهَا، (وَ) كَوْنُ الْمَأْمُومِ (يُتَابِعُ) إمَامَهُ (أَوْلَى)، لِعُمُومِ {وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا}. (وَإِذَا سَجَدَ مُصَلٍّ) لِلتِّلَاوَةِ، (ثُمَّ قَامَ؛ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، (وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ)، لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. (وَلَا يُجْزِئُ رُكُوعُ صَلَاةٍ وَلَا سُجُودِهَا عَنْ سُجُودِ تِلَاوَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ مَشْرُوعٌ، أَشْبَهَ سُجُودَ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِسُجُودٍ لَهَا وَلِسُجُودِ التِّلَاوَةِ (لِعَالِمٍ) بِالْحُكْمِ (إنْ نَوَاهُمَا)، أَيْ: سُجُودَ الصَّلَاةِ مَعَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ مَكَانَ السُّجُودِ رُكُوعًا، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ.
(وَ) يَتَّجِهُ: أَنَّهَا (لَا تُجْزِئُ) سَجْدَةً نَوَى بِهَا ذَلِكَ (لِنَاسٍ وَ) لَا (جَاهِلٍ) فَيُعِيدُ سُجُودَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ سُجُودُ شُكْرٍ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعَمٍ) عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، (وَ) عِنْدَ (انْدِفَاعِ نِقَمٍ عَامَّةٍ) لَهُ وَلِلنَّاسِ، (أَوْ خَاصَّةٍ بِهِ ظَاهِرَةٍ)؛ كَتَجَدُّدِ وَلَدٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ نُصْرَةٍ عَلَى عَدُوٍّ، لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ؛ خَرَّ سَاجِدًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. «وَسَجَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْت عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ سَلَّمْت عَلَيْهِ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَرَوَى الْبَرَاءُ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ سَاجِدًا حِينَ جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي السُّنَنِ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. «وَسَجَدَ حِينَ شَفَعَ فِي أُمَّتِهِ فَأُجِيبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وسَجَدَ الصِّدِّيقُ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وسَجَدَ عَلِيٌّ حِينَ رَأَى ذَا الثُّدَيَّةِ مِنْ الْخَوَارِجِ رَوَاهُ أَحْمَدُ. وسَجَدَ كَعْبٌ حِينَ بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْ فِي النِّعْمَةِ الظُّهُورَ؛ (فَنِعَمُ اللَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا تُحْصَى)، وَالْعُقَلَاءُ يُهَنِّئُونَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَارِضِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. (وَإِنْ سَجَدَ لِشُكْرٍ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ، لَا) مِنْ (جَاهِلٍ وَنَاسٍ)، كَمَا لَوْ زَادَ فِيهَا سُجُودًا (وَصِفَتُهُ)، أَيْ: سُجُودِ الشُّكْرِ. (وَأَحْكَامُهُ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ)، فَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ، وَيَقُولُ فِيهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَيُسَلِّمُ؛ وَتُجْزِئُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَمَنْ رَأَى مُبْتَلًى فِي دِينِهِ)؛ سَجَدَ نَدْبًا بِحُضُورِهِ وَغَيْرِهِ، أَيْ: وَبِغَيْرِ حُضُورِهِ، (وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ، تَفْضِيلًا وَإِنْ كَانَ) مُبْتَلًى (فِي بَدَنِهِ؛ سَجَدَ، وَقَالَ ذَلِكَ، وَكَتَمَهُ مِنْهُ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ)، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِحَضْرَةِ الْمُبْتَلَى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَرَوَى الْحَاكِمُ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ قِرْدٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ نُغَاشٍ»- بِالنُّونِ، وَالْغَيْنِ، وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ- قِيلَ: نَاقِصُ الْخِلْقَةِ، وَقِيلَ: الْمُبْتَلَى، وَقِيلَ: مُخْتَلِطُ الْعَقْلِ. (وَلَا يُكْرَهُ سُجُودٌ) لِلَّهِ تَعَالَى، (وَتَعْفِيرُ وَجْهٍ بِتُرَابٍ، لِدُعَاءٍ)، أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، فَهَذَا سُجُودٌ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ، وَلَا شَيْءَ يَمْنَعُهُ، (وَالْمَكْرُوهُ) هُوَ (السُّجُودُ بِلَا سَبَبٍ قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ.

.(فَصْلٌ): [أَوْقَاتِ النَّهْي عَنْ الصَّلَاةِ]:

(أَوْقَاتِ النَّهْي) عَنْ الصَّلَاةِ (خَمْسَةٌ)، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَهُوَ يَشْمَلُ وَقْتَيْنِ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَحَادِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ؛ فَالْأَوْقَاتُ الْخَمْسَةُ: أَحَدُهَا: (مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ (لِطُلُوعِ شَمْسٍ)، لِحَدِيثِ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ؛ فَلَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ «وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ خِطَابٍ، فَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ.
(وَ) الثَّانِي: (مِنْ طُلُوعِهَا)، أَيْ: الشَّمْسِ (لِارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ.
(وَ) الثَّالِثُ: (عِنْدَ قِيَامِهَا)، أَيْ: الشَّمْسِ (حَتَّى تَزُولَ) (وَ) الرَّابِعُ: (مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَلَوْ) كَانَتْ (مَجْمُوعَةً) مَعَ ظُهْرٍ فِي (وَقْتِ ظُهْرٍ، لِ) شُرُوعِهَا فِي (غُرُوبٍ)، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، حِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَالظَّهِيرَةُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقَائِمُهَا: الْبَعِيرُ يَكُونُ بَارِكًا فَيَقُومُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْأَرْضِ، وَتَضَيُّفُ: بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، أَيْ: تَمِيلُ، وَمِنْهُ: الضَّيْفُ، تَقُولُ: أَضَفْتُ فُلَانًا إذَا أَمَلْتَهُ إلَيْكَ وَأَنْزَلْتَهُ عِنْدَكَ. (وَلَا اعْتِبَارَ) لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ (بِصَلَاةِ غَيْرِهِ)، بَلْ الِاعْتِبَارُ بِصَلَاتِهِ نَفْسِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ وَلَوْ صَلَّى غَيْرَهُ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْد مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ، (وَ) الِاعْتِبَارُ بِفَرَاغِ صَلَاةِ الْعَصْرِ، (لَا بِشُرُوعِهِ) فِيهَا، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ قَلَبَهَا نَفْلًا (قَبْلَ فَرَاغِهَا)؛ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّطَوُّعِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِفَرَاغِهَا.
(وَ) الْخَامِسُ: (عِنْدَ غُرُوبِ) شَمْسٍ (حَتَّى يَتِمَّ)، لِمَا تَقَدَّمَ، (فَيَحْرُمُ إيقَاعُ) صَلَاةِ (تَطَوُّعٍ أَوْ) إيقَاعُ (بَعْضِهِ)، أَيْ: التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ مَا اُسْتُثْنِيَ (فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) الْخَمْسَةِ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ، فَدَخَلَ وَقْتُ النَّهْي وَهُوَ فِيهَا؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَتُهَا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (حَتَّى صَلَاةٍ عَلَى قَبْرٍ)، وَلَوْ كَانَ لَهُ دُونَ شَهْرٍ، (وَ) حَتَّى صَلَاةٍ عَلَى مَيِّتٍ (غَائِبٍ)؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إنَّمَا أُبِيحَتْ وَقْتَ النَّهْيِ خَشْيَةَ الِانْفِجَارِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، وَالْغَائِبُ. (وَلَا يَقْطَعُهَا)، أَيْ: صَلَاةَ التَّطَوُّعِ (إنْ دَخَلَ وَقْتُ نَهْيٍ وَهُوَ) أَيْ: الْمُتَطَوِّعُ (فِيهَا)، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ، (قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ إتْمَامَ النَّفْلِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لَا بَأْسَ بِهِ، بَلْ يُخَفِّفُهُ. (وَيَتَّجِهُ): حَيْثُ جَازَ لِلْمُتَطَوِّعِ إتْمَامُ مَا شَرَعَ فِيهِ مَعَ التَّخْفِيفِ؛ فَيَجِبُ (جُلُوسُهُ) إنْ دَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ حَالَ تَلَبُّسِهِ فِي سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (فَوْرًا، لِيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ)، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ، لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتَمَّ نَفْلَهُ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَأْثَمُ بِاسْتِدَامَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَنْعَقِدُ) التَّطَوُّعُ (إنْ ابْتَدَأَهُ) مُصَلٍّ (فِيهَا)، أَيْ: أَوْقَاتِ النَّهْيِ، (وَلَوْ) كَانَ (جَاهِلًا) بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِكَوْنِهِ وَقْتَ نَهْيٍ، لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. (أَوْ) كَانَ مَا تَطَوَّعَ بِهِ (لَهُ سَبَبٌ، كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ) وَشُكْرٍ، (وَصَلَاةِ كُسُوفٍ) وَاسْتِسْقَاءٍ، (وَقَضَاءِ) سُنَّةٍ (رَاتِبَةٍ) كَسُنَّةِ صُبْحٍ إذَا صَلَّاهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ، (وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ)، وَسُنَّةِ وُضُوءٍ وَاسْتِخَارَةٍ، لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَإِنَّمَا تَرَجَّحَ عُمُومُهَا عَلَى أَحَادِيثِ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا حَاضِرَةٌ، وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ(لَا) يَحْرُمُ إيقَاعُ نَافِلَةٍ (تَبَعًا) كَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ بَعْدَهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا) تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ مِمَّنْ دَخَلَهُ (حَالَ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ)؛ فَيَفْعَلُهَا وَلَوْ حَالَ قِيَامِ الشَّمْسِ قَبْلَ زَوَالِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ، إلَّا يَوْمَ جُمُعَةٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) إلَّا (سُنَّةَ فَجْرٍ حَاضِرَةٍ قَبْلَهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ.
(وَ) إلَّا (سُنَّةَ ظُهْرٍ مَجْمُوعَةٍ) مَعَ عَصْرٍ. (وَلَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ بَعْدَهَا)، أَيْ: بَعْدَ الْعَصْرِ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، «قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ أَكُنْ أَرَاك تُصَلِّيهَا، فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ فَشَغَلُونِي عَنْهُمَا؛ فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ جَمْعٌ، فَلِذَلِكَ صَحَّحَ الشَّارِحُ أَنَّ الرَّاتِبَةَ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ.
(وَ) إلَّا (رَكْعَتَيْ طَوَافٍ)، لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؛ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ» رَوَاه الْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(وَ) إلَّا (إعَادَةَ جَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ بِشَرْطِهِ)، وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ لِأَجْلِ الْإِعَادَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي صَلَّيْتُ، فَلَا أُصَلِّي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. (وَيَجُوزُ فِعْلُ) صَلَاةٍ (مَنْذُورَةٍ) نَذْرًا مُطْلَقًا فِيهَا، (وَ) يَجُوزُ (نَذْرُهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (فِيهَا)، أَيْ: فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ، (وَ) يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا (قَضَاءُ فَوَائِتَ) لِحَدِيثِ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا؛ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ؛ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَ(لَا) تَجُوزُ (صَلَاةُ جِنَازَةٍ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ)، لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَتَقَدَّمَ. وَذِكْرُهُ لِلصَّلَاةِ فِي الْحَدِيثِ مَقْرُونًا بِالدَّفْنِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ غَيْرِ الْخَمْسِ، أَشْبَهَتْ النَّوَافِلَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ لِطُولِ مُدَّتِهِمَا، فَالِانْتِظَارُ يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إنْ خِيفَ عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْقَصِيرَةِ لِلْعُذْرِ. (وَمَكَّةَ كَغَيْرِهَا فِي النَّهْيِ) عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. (وَإِنْ) أَرَادَ التَّطَوُّعَ، وَ(شَكَّ فِي دُخُولِهِ)، أَيْ: وَقْتِ النَّهْيِ؛ (فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ)، أَيْ: إبَاحَةُ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يُتَيَقَّنَ دُخُولُهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ)، أَيْ: إذَا تَيَقَّنَ دُخُولَ وَقْتِ النَّهْيِ. وَشَكَّ فِي خُرُوجِهِ، فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.